مواجهات صنعاء .. أضرار مادية ونفسية ستظل لسنوات دون حل “شهادات ميدانية على معاناة الناس”
يمنات
رشيد الحداد
خلّفت المواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية بين حركة “أنصار الله” والقوات المحسوبة على الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، دماراً كبيراً في معظم الأحياء التي شهدت الاشتباكات والتي تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة بين الطرفين لعدة أيام.
منازل ومتاجر ومؤسسات وجامعات وبنوك تضرّرت ضرراً كبيراً، إضافة إلى أضرار التي طالت المئات من الأسر التي عاشت أياماً سوداء.
و بعد انتهاء المعارك بدأ حجم الأضرار يتكشف في أحياء العاصمة صنعاء التي تحتضن أكثر من 4 ملايين نسمة من مختلف محافظات البلاد، أضرار مادية ونفسية ستظل لسنوات دون حل.
أيام سوداء
“أيام سوداء عشناها”، هكذا يصف محمد عبدالرحمن القدسي، الأيام الأخيرة التي عاشها مع عائلته التي علقت داخل منزلها في شارع بغداد حتى ظهر الاثنين الماضي.
حال محمد كحال المئات من الأسر التي علقت داخل منازلها في الأحياء السكنية المكتظة وواجهت خلالها الموت.
المواجهات أجبرت سكان المنازل في الطوابق العالية إلى السكن في بداريم البيوت أو تحت الدرج خوفاً.
تسبب المعارك بأزمات متعددة في الوقود والغاز المنزلي وكادت أن تتسبب بأزمة غداء.
محمد القدسي، قال إن عدداً من المواطنين قتلوا وآخرون أصيبوا أثناء محاولتهم الفرار من منازلهم القريبة من منزل طارق صالح، وآخرين من أصحاب محال تجارية حاولوا النجاة بأرواحهم فقتلوا برصاصات القناصة التي أعتلت عدد من منازل المواطنين في شارع الجزائر وتسببت بمآسي للكثير منهم.
محمد سعد السروري، أحد سكان الحي الواقع شمال شارع الجزائر من جهة شارع عمان، أكد لـ”العربي” أن الكثير من الأسر التي تسكن في الحي والأحياء المجاورة لها اضطرت للنزول من الشقق العالية وتركت كل ما تملك بعد أن احتراق عدد من المنازل.
و أضاف السروري أن البعض من تلك الأسر عاشت من دون مأكل ومشرب باستثناء اليسير طيلة الأيام الثلاث من الحرب. وحول تلقي السكان أي مساعدات من قبل أي منظمات أثناء المواجهات، أكد السروري عدم مبادرة أي منظمة للمساعدة رغم إطلاق أكثر من نداء إنساني، مشيراً إلى أن “أنصار الله” قدموا مساعدات صباح الاثنين للكثير من الأسر.
أم إبراهيم أحد سكان حي الثنية الواقع بجانب منزل الرئيس السابق والقريب من مركز الكميم بشارع حدة، كشفت عن حدوث عدد من حالات الإجهاض في أوساط النساء بسبب شدة المواجهات التي استخدمت فيها مختلف أنواع الاسلحة.
و أوضحت أم إبراهيم لـ”العربي” أن الهلال الأحمر اليمني ووزارة الصحة قاما بإسعاف عدد من النساء للمستشفيات مساء السبت والاحد، وأشارت إلى تعرض عدد من المواطنين لإصابات مختلفة.
إبراهيم الحرازي متطوع في الهلال الأحمر اليمني، أكد أن معظم الأسر التي حوصرت خارج مناطق التماس في شارع الجزائر وشارع عمان وشارع بغداد تمكن البعض منها من النزوح إلى مناطق أمنة صباح الأحد والاثنين، ولفت إلى أن الفرق الإنسانية واجهت صعوبة في إجلاء السكان من المناطق التي شهدت مواجهات عنيفة، لكنه أفاد بإجلاء عشرات الأسر وخصوصاً من احترقت منازلها بسبب المواجهات.
دمار هائل
آثار الدمار بدت واضحة من جولة عمان تقاطع شارع بغداد جنوباً حتى تقاطع بغداد شارع الستين.
“العربي” زار مناطق المواجهات ولاحظ دمار واسع طاول منازل المواطنين ومحلاتهم التجارية وعدد كبير من سيارات المواطنين التي كانت متوقفة على جنبات الشوارع الرئيسية، بالإضافة إلى آثار المواجهات على واجهات المنازل ونوافذها التي دلت على ضراوة القتال الذي شهدته المنطقة.
كذلك لوحظ احتراق عدد كبير من المنازل والبنوك والجامعات والمحلات التجارية، فبالقرب من تفاطع شارع بغداد مع شارع عمان احترق عدد من شقق مبنى نوارة السكني الذي كان يحتضن أكثر من 20 أسرة.
و احترق مبنى الإدارة العامة لبنك “الأمل للتمويل الأصغر” الواقع في شارع بغداد بعد أن طاله عدد من قذائف ولم تتمكن فرق الإطفاء من إخماد الحريق على الرغم من تصاعد المناشدات التي أطلقت من قبل ادارة البنك لأطراف الصراع للسماح لسيارات الإطفاء من الدخول وتمكين موظفي البنك من إنقاذ الوثائق المهمة، يضاف إلى أن آثار الدمار طالت جامعه “المستقبل الأهلية” الواقعه في شارع بغداد.
المنازل القريبة من منزل صالح في الثنيه الواقعة بجانب مركز الكميم تعرضت أيضاً لأضرار بالغة بالإضافة إلى تعرض العشرات من محلات بيع الالكترونيات في شارع صخر الواقع شمال منزل صالح لأضرار بالغة.
الغارات تهجر السكان
مع توقف المواجهات غادرت العشرات من الأسر منازلها بعد أن علقت عدة أيام بسبب ضراوة المواجهات، إلا أن الغارات العنيفة التي شنها طيران “التحالف العربي” مساء الاثنين والثلاثاء والتي استهدفت منازل صالح ونجله وعمار وطارق صالح، دفعت الأسر التي حاولت البقاء في منازلها للنزوح منها بشكل قسري خوفاً من الغارات.
و خلال زيارة مراسل “العربي” لمناطق المواجهات علم أن معظم الأحياء القريبة من منازل أقرباء صالح خلت من سكانها بشكل شبه كلي بسبب الغارات.
من طاقة لطاقة
معظم سكان صنعاء كانوا يخشون من انفجار الأوضاع داخل العاصمة ويرون في انفجارها فتنة لن تنطفئ نيرانها وربما ستطال الكثير من المدنيين، الجميع تذكر عبارة “صالح” عندما حذر معارضيه مطلع العام 2011 من اندلاع حرب لن تبقي ولن تذر، وستكون من منزل إلى منزل أو كما قال في كلمه له ألقاها منتصف فبراير 2011 من طاقة لطاقة، ومع ذلك كان للأوضاع الاقتصادية والمعيشية دور في كبح موجة النزوح من العاصمة هرباً من حجيم الحرب.
كذلك عادت أزمة المياه بشدة إلى مختلف الأحياء الفقيرة والشعبية في العاصمة صنعاء بالتزامن مع تصاعد المواجهات وارتفعت أسعار المياه بنسبة 100 %.
عودة تدريجية
تسبب المعارك بأزمات متعددة في الوقود والغاز المنزلي وكادت أن تتسبب بأزمة غداء، بعدد أن أصيبت الأسواق المحلية بشلل شبه تام في مختلف أرجاء العاصمة. وارتفع سعر اللتر البنزين إلى 750 ريال، ليرتفع سعر الدبة البترول “سعة 20 لتر” من 8000 ريال إلى 15000 ريال، كذلك ارتفع سعر الدبة الغاز من 4500 ريال إلى 5500 ريال.
و رغم ذلك أغلقت كافة محطات الوقود أبوابها ظهر السبت وامتنع أصحابها عن البيع بأي ثمن.
و مع انتهاء المعارك بعد استعادة “أنصار الله” السيطرة الكاملة على العاصمة والمحافظات، عادت الحياة العامة بشكل تدريجي إلى طبيعتها السابقة منذ صباح الثلاثاء، وعاودت المتاجر فتح أبوابها وعادت محطات الوقود لتزويد المواطنين بالمشتقات النفطية بالأسعار السابقة وتراجعت أزمة الغاز المنزلي، واستقرت الأسواق بعد أيام من حالة عدم الاستقرار التي شهدتها مطلع الأسبوع الجاري.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا